فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وإلى مَدْيَنَ} يعني وأرسلنا إلى بني مدين بن إبراهيم خليل الله وهم أصحاب الأيكة.
وقال قتادة: أرسل مرّتين إلى مدين وإلى أصحاب الأيكة {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} قال قتادة: هو شعيب بن نويب وقال عطاء: هو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم، وقال ابن إسحاق: هو شعيب بن ميكيل بن إسحاق بن مدين بن إبراهيم واسمه بالسريانية يثروب وأُمّه ميكيل بنت لوط وكان شعيب أعمى.
ويقال: إنّه خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكان قومه أهل كفر يكفرون بالله وبخس المكيال والميزان فقال لهم {قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني يجي عيب {فَأَوْفُواْ} فأتمّوا {الكيل والميزان وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ} ولا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوها إياهم {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} كانت الأرض قبل أن يُبعث إليها شعيبًا رسولا يُعمل فيها بالمعاصي ويُستحلّ فيها المحارم ويُسفك فيها الدماء بغير حقّها فذلك فسادها، فلمّا بُعث إليها شعيبًا ودعاهم إلى الله صلحت الأرض وكلّ نبيّ بُعث إلى قومه فهو يدعوهم لإصلاحهم الذي ذكرت لكم وأمرتكم به.
{ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} مصدّقين بما أقول. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا}.
قيل في {مدين} إنه اسم بلد وقطر، وقيل اسم قبيلة، وقيل هم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل، وروي أن لوط عليه السلام هو جد شعيب لأمه، وقال مكي كان زوج بنت لوط، ومن رأى {مدين} اسم رجل لم يصرفه لأنه معرفة أعجمي، ومن رآه اسمًا للقبيلة أو الأرض فهو أحرى ألا يصرف، وقوله: {أخاهم} منصوب بقوله: {أرسلنا} [الأعراف: 59] ي أول القصص، وهذا يؤيد أن {لوطًا} [الأعراف: 80] به انتصب، وأن اللفظ مستمر، وهذه الأخوة في القرابة، وقد تقدم القول في {غيره} وغيره، والبينة إشارة إلى معجزته وإن كنا نحن لم ينص لنا عليها، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {قد جاءتكم آية من ربكم} مكان {بينة} وقوله: {فأوفوا الكيل} أمر لهم بالاستقامة في الإعطاء وهو بالمعنى في الأخذ والإعطاء، وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمن وفحشت مع كفرهم الذي نالتهم الرجفة بسببه و{تبخسوا} معناه تظلموا. ومنه قولهم: تحسبها حمقاء وهي باخس أي ظالمة خادعة، و{أشياءهم} يريد أموالهم وأمتعتهم مما يكال أو يوزن، وقوله: {ولا تفسدوا} لفظ عام دقيق الفساد وجليله، وكذلك الإصلاح عام والمفسرون نصوا على أن الإشارة إلى الكفر بالفساد، وإلى النبوءات والشرائع بالإصلاح، وقوله: {ذلك خير لكم} أي نافع عند الله مكسب فوزه ورضوانه بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْبَخْسُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ هُوَ النَّقْصُ بِالتَّعْيِيبِ وَالتَّزْهِيدِ، أَوْ الْمُخَادَعَةِ عَنْ الْقِيمَةِ، أَوْ الِاحْتِيَالِ فِي التَّزَيُّدِ فِي الْكَيْلِ أَوْ النُّقْصَانِ مِنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْأَكْلِ بِالْحَقِّ، وَالتَّعَامُلِ بِالصِّدْقِ، وَطَلَبِ التِّجَارَةِ بِذَلِكَ، فَمَتَى خَرَجَ عَنْ يَدِ أَحَدٍ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ بِعِلْمِهِ لِأَخِيهِ فَقَدْ أَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُرْضِي اللَّهَ وَيَرْتَضِيهِ؛ وَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ عَنْ يَدِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَا غِنًى عَنْهُ فِي ارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ وَانْخِفَاضِهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ حَلَالٌ جَائِزٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ؛ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا جَرَى ذَلِكَ فِي بَيْعٍ كَانَ صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَآخَرُونَ غَيْرُهُمْ: إنَّهُ لَا رَدَّ فِيهِ.
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ كَانَ يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ: إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ».
وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ: «وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثًا».
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا».
فَإِنْ قِيلَ، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ أَصَابَتْهُ مَأْمُومَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَثَّرَتْ فِي عَقْلِهِ، فَكَانَ يَخْدَعُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فِي بَيْعِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَالِ، حَتَّى كَانَ يَقُولُ لِمَا أَصَابَهُ: «لَا خِلَابَةَ لَا خِلَابَةَ».
فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ مِنْ حُكْمِهِ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ عَقْلِهِ لَمَا جَوَّزَ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَعْتُوهِ لَا يَجُوزُ بِخِيَارٍ، وَلَا بِغَيْرِ خِيَارٍ، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يُصَرِّحَ عَنْ قَوْلِهِ، حَتَّى يَقَعَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإلى مدين}.
قال قتادة: مدين: ماء كان عليه قوم شعيب، وكذلك قال الزجاج، وقال: لا ينصرف، لأنه اسم البقعة.
وقال مقاتل: مدْيَن: هو: ابن ابراهيم الخليل لصلبه.
وقال أبو سليمان الدمشقي: مدين: هو ابن مديان بن ابراهيم، والمعنى: أرسلنا إلى ولد مدين، فعلى هذا هو اسم قبيلة.
وقال بعضهم: هو اسم للمدينة.
فالمعنى: وإلى أهل مدين.
قال شيخنا أبو منصور اللغوي: مدين: أسم أعجمي.
فإن كان عربيًا، فالياء زائدة، من قولهم: مدن بالمكان: إذا أقام به.
قوله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} قال الزجاج: البَخْسُ: النقص والقلَّة؛ يقال: بَخَسْتُ أبْخَسُ؛ بالسين، وبخصت عينه، بالصاد لا غير.
{ولا تُفْسِدوا في الأرض} أي: لا تعملوا فيها بالمعاصي بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل، وإرسال الرسل.
قوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين} أي: مصدِّقين بما أخبرتكم عن الله. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
فيه أربع مسائل:
الأُولى قوله تعالى: {وإلى مَدْيَنَ} قيل في مَدْين: اسم بلد وقُطْر.
وقيل: اسم قبيلة كما يقال: بَكْر وتَمِيم.
وقيل: هم من ولد مَدْيَن بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
فمن رأى أن مدين اسم رجل لم يصرفه لأنه معرفة أعجميّ.
ومن رآه اسمًا للقبيلة أو الأرض فهو أحْرَى بألاّ يصرفه.
قال المهدويّ: ويروى أنه كان ابن بنت لوط.
وقال مكيّ: كان زوج بنت لوط.
واختلف في نسبه؛ فقال عطاء وابن إسحاق وغيرهما: وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام.
وكان اسمه بالسريانية بَيْرُوت.
وأُمه ميكائيل بنت لوط.
وزعم الشرقِيّ بن القُطَامِيّ أن شعيبًا بن عَيْفَاء بن يَوْبَبَ بن مدين بن إبراهيم.
وزعم ابن سَمْعَان أن شعيبًا بن جزي بن يشجر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وشُعَيْب تصغير شَعْب أو شِعْب.
وقال قتادة: هو شعيب بن يَوْبَبَ.
وقيل: شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم.
والله أعلم.
وكان أعمى؛ ولذلك قال قومه: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91].
وكان يقال له: خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه.
وكان قومه أهل كفر بالله وبخسٍ للمكيال والميزان.
{قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أي بيان، وهو مجيء شعيب بالرسالة.
ولم يذكر له معجزة في القرآن.
وقيل: معجزته فيما ذكر الكسائي في قصص الأنبياء.
الثانية قوله تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ} البخس النقص.
وهو يكون في السِّلعة بالتعييب والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيّد في الكيل والنقصان منه.
وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك مَنْهِيٌّ عنه في الأُمم المتقدّمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الثالثة قوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} عطف على {وَلاَ تَبْخَسُوا}.
وهو لفظ يعمّ دقيق الفساد وجليله.
قال ابن عباس: كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبًا رسولًا يُعمل فيها بالمعاصي وتُسْتَحَلُّ فيها المحارم وتُسفك فيها الدماء.
قال: فذلك فسادها.
فلما بعث الله شعيبًا ودعاهم إلى الله صلحت الأرض.
وكل نبيّ بعث إلى قومه فهو صلاحهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وإلى مدين أخاهم شعيبًا} يعني وأرسلنا إلى مدين أكثر المفسرين على أن مدين اسم رجل وهو مدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فعلى هذا يكون المعنى وأرسلنا إلى ولد مدين ومدين اسم للقبيلة كما يقال بنو تميم بو عدي وبنو أسد.
وقيل: مدين اسم للماء الذي كانوا عيله وقيل هو اسم للمدينة وعلى هذين القولين يكون المعنى: وأرسلنا إلى أهل مدين والصحيح هو الأول لقوله أخاهم شعيبًا يعني في النسب لا في الدين وشعيب هو ابن ثويب بن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قاله عطاء وقال محمد بن إسحاق وهو شعيب بن مكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأم ميكيل بنت لوط عليه السلام.
وقيل: هو شعيب بن يثرون بن ثويب بن مدين بن إبراهيم عليه السلام وكان شعيب أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكان قومه أهل كفر وبخس في المكيال والميزان {قال} يعني شعيبًا {يا قوم اعبدوا لله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم} يعني: قد جاءتكم حجة وبرهان من ربكم بحقية ما أقول وصدق ما أدعي من النبوة والرسالة إليكم لأنه لابد لكل نبي من معجزة تدل على صدق ما جاء به من عند الله غير أن تلك المعجزة التي كانت لشعيب لم تذكر في القرآن وليست كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن، وقيل: أراد بالبينة مجيء شعيب بالرسالة إليهم وقيل أراد بالبينة الموعظة وهي قوله: {فأوفوا الكيل والميزان} يعني فأتموا الكيل والميزان وأعطوا الناس حقوقهم وهو قوله: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} يعني لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياهم فتطففوا الكيل والوزن.
يقال: بخس فلان في الكيل والوزن إذا نقصه وطففه {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} يعني بعد أن أصلحها الله تعالى ببعثة الرسل وإقامة العدل وكل نبي يبعث إلى قوم فهو صلاحهم {ذلكم} يعني الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من الإيمان بالله ووفاء الكيل والميزان وترك الظلم والبخس {خير لكم} يعني مما أنتم عليه من الكفر وظلم الناس {إن كنتم مؤمنين} يعني إن كنتم مصدّقين بما أقول. اهـ.